موت رفسنجاني وتداعياته
يوم الأحد 8/1/2017 تعرض علي أكبر هاشمي
رفسنجاني لنوبة قلبية في عمر يناهز82 عاما وتوفي بعد ساعات من نقله الى المستشفى.
وكان لرفسنجاني دور مهم سواء بصفته رجلا في
النظام أو باعتباره كان يقود تيارا في ابقاء النظام الحاكم في ايران على السلطة.
انه وخلافا لما كان يصفه الغربيون على غير حق بـ «المعتدل» لم يكن اعتداليا قط.
لأنه ضالع في كل جرائم هذا النظام ولو كان معتدلا لما كان وضع النظام والمجتمع
الايراني على ما هو عليه الآن.
اولئك الذين يتذكرون عودة خميني الى ايران في
الأيام الأوائل لعام 1979، يعرفون أن رفسنجاني كان ضمن الحلقة الأولى للأفراد
الموثوق بهم لدى خميني وكان يحتل أهم المناصب الحكومية قبل موت خميني في 3 يونيو
1989.
وطيلة 8 سنوات من الحرب الايرانية العراقية،
عمل رفسنجاني فعلا نائبا لخميني. انه كان بداية رئيس البرلمان والرئيس الرابع
للنظام الحاكم في ايران خلال أعوام 1989 الى 1997. وخلال عمله في مقام رئيس
البرلمان على مدى سنوات وبسبب قربه لخميني كان عاملا في اتخاذ القرارات لحسم
الملفات المتعلقة بتلك السنوات. انه أجلس خامنئي خلال أعوام 1981 والى 1988 لمدة 8
سنوات على كرسي رئاسة الجمهورية ثم على كرسي ولاية الفقيه بعد موت خميني.
وكان رفسنجاني دوما ولحد فترة ما قبل موته
أحد الدعامات الرئيسية لنظام ولاية الفقيه ولو أنه بعد موت خميني تم استبعاده
تدريجيا من المناصب الحكومية من قبل زمرة خامنئي.
ومن الأدوار المهمة الأخرى التي لعبها
رفسنجاني والتي تحول خلالها بسرعة الى أكبر رأسماليين في ايران هو أنه كان يعتقد
منذ بداية سلطة الملالي بممارسة العنف وقمع المعارضين. وعلى سبيل المثال:
ü
بعد المجزرة الدموية لتظاهرة نصف مليون من
المواطنين في طهران في 20 يونيو1981 حيث نفذت بأمر صادر عن خميني، فكان رفسنجاني
هو من قال ان أعضاء مجاهدي خلق اما يجب قتلهم أو شنقهم أو بتر أطرافهم أو طردهم من
المجتمع. مضيفا لو كنا قد أعدمنا في الأيام الأولى ما بعد الثورة 1979 نحو 200
منهم شنقا لما كانت تزداد أعدادهم (صحيفة اطلاعات 3 اكتوبر 1981).
ü
رفسنجاني كان من ضمن اولئك الذين يعتقد
بالقمع والقتل لحل المشكلات الداخلية في ايران. ولهذا السبب وتزامنا مع صدور فتوى
خميني لقتل أبناء كردستان في ايران في عام 1980 حيث لم يكن بدون تأثير دور
رفسنجاني، وأشار اليه في مذكراته أيضا، كان يعارض بشدة المفاوضات بين وفد تمثيل
آبناء كردستان وبين الحكومة المركزية في عام 1980. ومن هذا المنطلق في ولاية
رفسنجاني تم اغتيال الدكتور عبدالرحمان قاسملو وثم الدكتور صادق شرفكندي وهما
زعيمان متلاحقان للحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني على يد الفرق المرسلة من
قبل النظام الايراني خلف طاولة المفاوضات مع النظام في الدول الاوروبية. الجريمة
التي أعلنتها محكمة ألمانيا في «ملف ميكونوس» رفسنجاني وعلي خامنئي «بصفتهما متخذي
القرار في هذا الاغتيال».. كما يمكن التنويه الى اغتيال مئات من الأكراد
الايرانيين في كردستان العراق وأكثر من 150 عملا ارهابيا آخر في سائر المدن
العراقية ضد مجاهدي خلق.
ü في تلك
الفترة نفذت أعداد كبيرة من الاعدامات والاغتيالات سواء داخل ايران (اغتيال
الدكتور كاظم سامي وداريوش فروهر وزوجته و...) أو خارج ايران ضد أعضاء المعارضة
الايرانية (منهم محمد حسين نقدي في ايطاليا والبروفيسور كاظم رجوي في سويسرا وزهرا
رجبي في تركيا وشاهبور بختيار في باريس و...) على يد الخلايا الارهابية المرسلة من
النظام الايراني. القرار لابادة جيل معارضي النظام اتخذه خميني ولكن ذلك قد بلغ
ذروته في ولاية رفسنجاني. النظام استطاع أن يفرض القمع والكبت على المجتمع وهو كان
بصدد أن يتخذ أخطر خطوة ضد معارضيه. ولهذا السبب صدرت فتوى في عام 1988 عن خميني
ضد مجاهدي خلق تم تنفيذها من قبل رفسنجاني حيث بموجبها تم اعدام أكثر من 30 ألف
سجين سياسي خلال شهرين داخل السجون في ابادة جماعية. ولم يكتف رفسنجاني بذلك بل
لعب دورا في عزل منتظري خليفة خميني الذي اتخذ موقفا اعتراضيا على هذه الاعدامات.
ü
من الأدوار المهمة الأخرى التي لعبها
رفسنجاني يمكن الاشارة اليه هو الملف النووي. اذ بعد هزيمة خميني في حربه مع
العراق اقترح رفسنجاني على خميني اتخاذ خطوة استراتيجية لانتاج السلاح النووي
ضمانا لبقاء النظام ثم عمليا بدأ المشروع. ذلك المشروع الذي تسبب في تخصيص كميات
ملحوظة من موازنة الدولة الى هذا المشروع اللاشرعي مما زاد الفقر بين الشعب
الايراني والمشاكل الاقتصادية للبلاد بشكل مضاعف.
ü
في سجل رفسنجاني سجل أيضا أنه اضافة الى
الحملات الارهابية الواسعة خارج الحدود الايرانية، خرقت القوات الايرانية العاملة
تحت أمره مرتين الحدود الدولية بين ايران والعراق وقامت بشن الهجوم على قوات
المعارضة الايرانية مرة في مارس 1991 على جيش التحرير الوطني الايراني في منطقة
جلولاء والثانية في عام 1997 على المقر المركزي للحزب الديمقراطي الكردستاني
الايراني في مدينة كويسنجق.
في نهاية عهد رفسنجاني لمدة 8 سنوات عام 1998
دخل دور رفسنجاني في مرحلة أخرى حيث لعب دورا أخطر من الماضي من كل الجوانب. فهذا
الدور الذي كان متزامنا مع تناقضه وصراعه الدائم مع خامنئي قد آلحق أكبر الخسائر
على الشعب الايراني والمعارضة الايرانية. لأن رفسنجاني كان يحاول تحت غطاء
الاعتدال والمعارضة معارضة الولي الفقيه ولكن لحفظ النظام. وفي واقع الأمر كان
السبب الرئيسي لهذا الصراع بين هذين القرينين المتناقضين غير المفترقين أن
رفسنجاني لم يكن يقبل الرضوخ لولاية خامنئي. بينما كانا متفقين على استمرار الحكم
وقمع المعارضين وقتلهم ونهب ثروات الشعب الايراني.
الواقع المهم في هذا الصراع على السلطة هو أن
الطرفين وبما أنهما ضالعان في كل جرائم النظام، ورغم خلافاتهما لم يكونا مفترقين.
ولهذا السبب أن صراعهما لم يكن بالامكان أن يدور خارج اطار حفظ النظام.
وفي هذا السياق تمكن خامنئي في الانتخابات
2013 أن يرفض أهلية رفسنجاني عبر «مجلس صيانة الدستور» المؤسسة التي تعمل تحت
امرته ومنع بذلك ترشيحه للانتخابات ولكنه اضطر وخوفا من اندلاع انتفاضة شعبية أن
يرضخ لانتخاب حسن روحاني من المقربين لرفسنجاني. وبذلك بقي رفسنجاني رسميا من جديد
كرجل رقم 2 يؤدي دورا للنظام في مقام رئاسة «مجمع تشخيص مصلحة النظام».
ومع موت رفسنجاني فان واجهة الاعتدال للنظام
قد تحطمت وخسر المساومون الغربيون أحد مرشحيهم المحبذين لهم. وبتعبير آخر أول
رسالة لموت رفسنجاني هو أن توازن النظام قد اختل داخليا وخاريجا وأن النظام
الايراني برمته قد اقترب من سقوطه لاسيما وأن التطورات الحاصلة في عام 2016 قد دقت
جرس خطر تغيير النظام وأدخلت الرعب في قلب نظام خامنئي. خوفه من الانتفاضة الشعبية
والاستعداد المتزايد لدى المعارضة الداعية الى اسقاط النظام والبديل الديمقراطي
لهذا النظام.
No comments:
Post a Comment