بعد عامين من السيطرة على الموصل، ثاني
اكبر مدينة عراقية من قبل تنظيم داعش وعشية انتخابات الرئاسة الامريكية، انطلقت
عملية استعادة هذه المدينة منذ 17/اكتوبر. ولانجاز هذه العملية فان العديد من
الأطراف الدولية والاقليمية تقدمت للمشاركة فيها، كل بقصد تحقيق أهداف ومصالح
خاصة. فعلاوة على قوات التحالف الدولي التي تدعم العراقيين في حربهم ضد الارهاب،
فان حكومتي تركيا وايران قد دخلتا حلبة الصراع.
النظام الايراني وبعد ابرامه الاتفاقية
النووية مع الغرب، بات يواجه عددا من الازمات السياسية والاقتصادية على المستويين
الداخلي والخارجي، ويسعى الآن الى الاستحواذ على امتداد برّي يربط ايران بسوريا
ويعرف بالهلال الشيعي، والذي يهدف من وراءه التغطية على أزماته المستفحلة، وفي حال
تحقق هذا المشروع فانه سيشكل خطرا على العالم السني، وكذلك خطرا على الكرد
العراقيين وعلى الشعب السوري الذي تشهد ثورته المزيد من التعقيد، وذلك بسبب:
أولا: النظام الايراني لا يتقبل مبدئيا
القضية الكوردية ولا وجود السنة، وفيما لو تحقق الهلال الشيعي فسيكون خطرا جاد على
وجود وثقل الكورد والسنة العراقيين، ونتيجته النهائية سيكون الاستحواذ على العراق
بأكمله، خصوصا وأن كبار المسؤولين الايرانيين كثيرا ما ينظرون للعراق كمحافظة
ايرانية أو كحديقة خلفية لهم.
ثانيا: المسؤولون الايرانيون لا يخفون
حقيقة ان اسقاط نظام الاسد بالنسبة لهم خط أحمر، وكان لايران خلال السنوات الخمس
الماضية من عمر الثورة السورية الدور الفاعل في ضرب المعارضة السورية واستباحة دم
الشعب السوري. والنظام الايراني لا يخفي حقيقة في حال عدم تخندقه في سوريا، فان
عليه الدفاع عن نفسه في طهران والتخندق داخل الحدود الايرانية.
وفي مقابل ذلك فان الحكومة السنية التركية
تعيش في حالة من الهلع من نجاح ايران في تحقيق الهلال الشيعي وتعرض أمن هذا البلد
للخطر. خصوصا وان القضية الكردية في تركيا لم تحل، اضافة الى عامل الازمة السورية
وظهور داعش، قد تسببا في تقوية حزب العمال الكردستاني في المناطق الحدودية بين
تركيا وسوريا والعراق، والحكومتين الايرانية والسورية تدعما قوات هذا الحزب تماشيا
مع مصالحهما، خصوصا في سوريا حيث يمدانه بالمال والسلاح.
من المفيد الاشارة الى ان تواصل وتقدم
الهلال الشيعي من قبل النظام الايراني سيواجه العديد من العقبات. النفوذ الايراني
قد تراجع في العراق وليس كما كان ابان عهد المالكي، فبعد تولي حيدر العبادي قيادة
الحكومة العراقية، فأن الحكومة الايرانية فقدت غطاء السلطة والذي من خلاله كانت
تبسط سيطرتها وتنفذ تهديداتها ضد معارضي النظام الايراني المتواجدين على الأراضي
العراقية، ولعل الاحداث الجارية حاليا في كردستان العراق هي بالضد من المصالح
الايرانية.. واجمالي المشهد يتبدى في الزيارة الاخيرة التي قام بها مسعود بارزاني
رئيس اقليم كردستان الى بغداد والذي كان خطوة لتحقيق التفاهم بين أربيل وبغداد حول
المشكلات العالقة بين الجانبين، وكذلك لتحقيق التنسيق المشترك بين الجيش والقوات
الامنية العراقية وقوات الـ(بيشمركة) الكردية في عملية تحرير الموصل.
كان من المقرر أن تبدأ عملية تحرير
الموصل عدة اشهر قبل الآن، لكن بسبب التدخلات الايرانية والعراقيل التي كان يضعها
الموالون لها ضمن السلطات العراقية، كانت النتيجة تأخر انطلاق العملية، والآن حيث
بات تحرير الموصل استحقاقا عراقيا يحقق مصلحة بغداد وأربيل، بدأت العمليات
العسكرية بتنسيق ومشاركة قوات الطرفين لطرد مسلحي داعش من المدينة، وفي خطوة
لتدارك الأمر قام النظام الايراني بزج وحدات من فيلق القدس التابع للحرس الثوري
الايراني وميلشيات ارهابية تحت عنوان (الحشد الشعبي)، وذلك في سعي من الحكومة
الايرانية لانجاز حلم الهلال الشيعي وليدفع بالمنطقة الى حالة من حمامات الدم حيث
تحل (الميليشيات الشيعية) محل متشددي تنظيم داعش، وتتحول هذه الميليشيات الى لاعب
رئيس في الساحة والتي ستجلب الكثير من المآسي على أبناء المنطقة.
وفي موضوع ذي صلة، نشرت صحيفة (الشرق
الأوسط) يوم 16/اكتوبر (تشرين الأول) تقريرا جاء فيه: "قامت الجمهورية
الاسلامية الايرانية بجحفلة قوات من الحرس الثوري في منطقة السليمانية في مسعى
منها لدعم الميليشيات الشيعية في عميلة تحرير الموصل، وذلك لتقوم بمد مجال برّي
يمتد من حدودها حتى الحدود السورية والذي يعرف بـ(الهلال الشيعي)، ويمتد هذا
المجال عبر محافظة السليمانية ومنها الى محافظة كركوك فمحافظة نينوى (الموصل)،
ويمرّ عبر المناطق التي يسيطر عليها حزب العمال الكوردستاني (ب ك ك) وصولا الى
الحدود السورية."
الشيء الذي لا جدل فيه هو ان الموصل سيتم
تحريرها، لكن الأمر الذي يثير حفيظة الكل هو ليس تحرير الموصل فقط، وانما ما الذي
يحصل في هذه المدينة بعد تحريرها؟ أي طرف سيكون الرابح الرئيس في ذلك؟ أمريكا،
تركيا، العراق والكرد أم النظام الايراني؟
الاجابة الصحيحة واليقينية حول اسئلة على
هذه الشاكلة يجب تركها للعراقيين أنفسهم، لأنهم هم من يقررون مصيرهم لا غيرهم. لو
اتخذ العراقيون تجارب السنين الأخيرة من التأريخ السياسي لبلدهم خصوصا فترة الثمان
سنوات التي كان فيها نوري المالكي رئيسا للحكومة العراقية، قاعدة لاتخاذ قرارهم
وتحديد مصيرهم في هذا المنعطف التأريخي، لاشك انهم سيصلون الى المحصلة التي هي
الطريق السليم والصحيح الوحيد، وهو مواجهة النظام الايراني وخططه للاستحواذ على
البلد وحل الميليشيات الشيعية كقوات مذهبية. وهذا يحتاج الحيطة والحذر من الفرقاء
العراقيين ازاء نظام بدا بوجه (ملائكي) سرعان ما تحول الى (غول) مفترس، انها
الفرصة الذهبية أمام العراقيين لانتشال بلدهم من براثن النظام الايراني وتنحية
الموالين له من العراقيين.
@m_abdorrahman
No comments:
Post a Comment